لماذا ننسى الأحلام؟ العلم يجيب

لماذا ننسى الأحلام؟ العلم يجيب

تظل الأحلام، تلك السرديات العابرة التي تملأ أذهاننا أثناء النوم، أحد أكثر جوانب الإدراك البشري تشويقًا وإرباكًا. من تفسيرات فرويد التحليلية النفسية إلى بحث علم الأعصاب الحديث عن تفسيرات بيولوجية، شكّل فهم الأحلام تحديًا حيّر الباحثين وأربكهم على مدى قرون. ومن أكثر الأسئلة حيرةً: لماذا ننسى الأحلام فور استيقاظنا تقريبًا؟

لماذا ننسى الأحلام؟

1_ تعقيدات الأحلام

قبل الخوض في مسألة فقدان ذاكرة الأحلام، من الضروري إدراك تعقيدات الحلم نفسه. تحدث الأحلام بشكل رئيسي خلال مرحلة حركة العين السريعة (REM) من دورة نومنا، عندما يكون نشاط الدماغ مرتفعًا ويشبه نشاط اليقظة.

يُعتقد أن نوم حركة العين السريعة يلعب دورًا في التعلم، وتقوية الذاكرة، وتنظيم المزاج. وبالتالي، قد تكون الأحلام آثارًا جانبية لهذه العمليات المعرفية. ومع ذلك، فإن الطبيعة العابرة لهذه السرديات الليلية، واختفائها السريع عند الاستيقاظ، ظاهرة لا تزال تُحيّر العلماء.

2_ فقدان الذاكرة الأحلامية..  وظيفة الكيمياء العصبية

تدور إحدى النظريات الرائدة في تفسير فقدان ذاكرة الأحلام حول الكيمياء العصبية – الكيمياء الحيوية للجهاز العصبي. أثناء نوم حركة العين السريعة، تكون مستويات الناقل العصبي الأسيتيل كولين مرتفعة، مما يعزز نشاط الدماغ المرتبط بالأحلام. في الوقت نفسه، تكون مستويات النورإبينفرين (المعروف أيضًا باسم النورأدرينالين)، وهو ناقل عصبي مرتبط بتعزيز الذاكرة، في أدنى مستوياتها.

 

 

قد يكون نقص النورإبينفرين أثناء نوم حركة العين السريعة عاملاً رئيسياً في فقدان ذاكرة الأحلام. فبدون كمية كافية من النورإبينفرين، قد لا تنقل أدمغتنا تجارب الأحلام بفعالية من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى، مما يؤدي إلى نسيانها بسرعة عند الاستيقاظ.

3_ مراحل النوم وتذكر الأحلام

يمكن لمرحلة النوم التي نستيقظ منها أن تؤثر أيضًا على تذكر الأحلام. تشير الدراسات إلى أن الناس يكونون أكثر قدرة على تذكر أحلامهم إذا استيقظوا أثناء نوم حركة العين السريعة أو بعده مباشرةً، عندما تكون الأحلام في أوج حيويتها. قد يُسهم الاستيقاظ خلال مراحل نوم حركة العين السريعة، عندما يكون نشاط الأحلام أقل كثافة، في ضعف تذكر الأحلام.

علاوة على ذلك، كلما طالت المدة بين نهاية نوم حركة العين السريعة والاستيقاظ، زاد احتمال نسيان أحلامنا. تشير هذه الظاهرة، المعروفة باسم “تلاشي الأحلام”، إلى أن ذاكرة أحلامنا قد تكون هشة للغاية، وتتلاشى بسرعة مع مرور الوقت.

4_ دور القشرة الجبهية

تكون القشرة الجبهية، وهي منطقة الدماغ المسؤولة عن تكوين الذاكرة وعمليات التفكير المعقدة، أقل نشاطًا أثناء نوم حركة العين السريعة. ويفترض بعض الباحثين أن هذا النشاط المنخفض قد يعيق ترميز الأحلام في الذاكرة طويلة المدى، مما يُسهم في فقدان الذاكرة.

هل ننسى، أم أننا ببساطة نفشل في تشفير الأحلام؟

هناك وجهة نظر أخرى حول فقدان ذاكرة الأحلام، وهي أننا لا “ننسى” الأحلام بالضرورة؛ بل قد لا “نتذكرها” بشكل صحيح أصلًا. ومن هذا المنطلق، قد تكون عملية ترميز الأحلام في الذاكرة معيبة أو ناقصة، مما يؤدي إلى ضعف تذكرها عند الاستيقاظ.

وظيفة فقدان الذاكرة الحلمية

في حين أن آليات فقدان ذاكرة الأحلام مثيرة للاهتمام، يقترح بعض العلماء أنها قد تخدم غرضًا تكيفيًا. وفقًا لفرضية “الصفحة البيضاء”، فإن نسيان الأحلام يسمح لنا بالاستيقاظ بعقل صافٍ، غير مثقلٍ بالمحتوى العاطفي أو المُزعج المحتمل لأحلامنا. قد تساعدنا هذه الصفحة البيضاء على بدء كل يوم من جديد، مستعدين لاستيعاب ومعالجة معلومات جديدة دون تدخل من الروايات الغريبة التي تصوغها عقولنا الحالمة.

الأحلام.. لغزٌ حاضرٌ دائمًا

على الرغم من التقدم المحرز في فهم بيولوجيا النوم والأحلام، لا يزال لغز فقدان ذاكرة الأحلام غامضًا إلى حد كبير. تُقدم النظريات الحالية رؤىً آسرة، إلا أن الصعوبات الكامنة في دراسة الأحلام تعني أن جوانب عديدة من هذه الظاهرة لا تزال محاطة بالغموض. هذا اللغز الدائم هو ما يجعل الأحلام، وذكرياتنا العابرة عنها، مجالًا مثيرًا للاهتمام في الإدراك البشري وعلم الأعصاب.

اقرأ:

دكتور أسامة عنان يشرح أهمية الفلورايد في صحة الأسنان

وتابعنا على الفيسبوك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.